فصل: الركن الأول: النية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة



.كتاب الصوم:

.والنظر في الصوم والفطر.

أما:

.الصوم:

.فالنظر في سببه وركنه وشرطه وسننه.

أما:

.السبب:

فاثنان:
الأول: رؤية الهلال، وتحصل بالخبر المنتشر، وهو الكمال فيها، ولا يفتقر ذلك إلى شهادة، وتثبت بشهادة عدلين على الإطلاق، وقيل: إن كانت السماء مصحية والمصر كبيرا، فلا يكفي الشادان، ويعزى هذا إلى سحنون. والحكم في هلال شوال كمال ذكرنا.
ولا يثبت الهلال برؤية واحد، إلا في حق الرائي خاصة، لكن يجب عليه أن يرفع شهادته إلى الحاكم إن كان ممن تقبل شهادته، رجاء أن ينضاف إليه غيره فيثبت الحكم. وقيل: يرفع وإن كان لا يرجى قبول شهادته، لجواز الاستفاضة.
وإذا رؤي الهلال في بلد لزم غيرهم الصوم بذلك، والقضاء إن فاهم من غير تفصيل.
وحكى القاضي أبو إسحاق عن ابن الماجشون، أنه رأى: إن كانت ثبت بأمر شائع، فالحكم كذلك، وإن كان ثبت عند الحاكم بشهادة شاهدين كسائر الأحكام، لم يلزم من خرج من ولايته، إلا أن يكون أمير المؤمنين، فيلزم القضاء جماعتهم إذا كتب بما عنده من شهادة أو رؤية إلى من لم يثبت عنده.
وإذا رؤي هلال شوال بعد الزوال أو قبله، لم يجز الإفطار إلا بعد الغروب، لأنه لليلة.
المستقبلة.
وقال ابن وهب وابن حبيب وعيسى بن دينار: إن رئي الهلال قبل الزوال، فلا يجوز الإمساك، لأنه لليلة الماضية.
السبب الثاني: العدد، وإنما يعتبر عند عدم الرؤية، وهو عبارة عن إكمال عدة الشهر المنقضي ثلاثين يوما، فيجب صوم اليوم الحادي والثلاثين في أول الشهر، وفطره في آخره.
فرع:
ولا اعتماد على ما ذهب إليه بعض الناس من اعتبار المفارقة في الهلال، ولا التفات إليه، لأنه إن كان فاسدا فلا دلالة له، وإن كان صحيحا، فلم يعتبره الرسول صلى الله عليه وسلم، بل حصر السبب فيما ذكرنا، فكان ما سواه غير معتبر في الشرع، فلا يجوز الاعتماد عليه بوجه.

.القول في ركني الصوم:

وهو النية والإمساك.

.الركن الأول: النية:

فعليه أن ينوي نية معينة مبنية جازمة، فلا يصح صيام من غير نية.
وحكى القاضي أبو محمد عن عبد الملك بن الماجشون وصاحبه أحمد بن المعذل أنهما يقولان: إن أصبح ولم يأكل ولم يشرب، ثم علم أن اليوم من شهر رمضان مضى على إمساكه، وأجزأه من صيامه، ولا قضاء عليه.
والتعيين: أن ينوي أداء فرض رمضان.
ومعنى التبييت: أن ينوي لكل يوم من كل نوع من ليلته، ويستثني من ذلك شهر رمضان، فله أن يجمعه بنية واحدة من أوله، ولان صوم الشهر عبادة واحدة، ولا يتخلل بين أجزائها إلا ما يتخلل بين النية وبين افتتاحها، فلا يضر تخلله كاليوم الأول، هذا ما لم يقطعه أو يكن على حالة يجوز له الفطر، فيلزمه استئناف النية.
ويستثنى أيضا شهر التتابع، وكذلك من شأنه سرد الصوم. قال الشيخ أبو بكر: وهذا القول من مالك في الصيام النفل يشبه أن يكون استحسانا. فأما القياس فإن عليه أن ينوي كل ليلة، لجواز أن يفطر بدل الصوم، ويصوم غير الذي عود نفسه، فهو مخالف لصوم رمضان. وقيل: لا يستثنى من ذلك رمضان ولا غيره، وحكاه القاضي أبو بكر رواية. واختار الأخذ بها.
والمعنى بالجازمة أن لا تكون مترددة، فإن النية المترددة باطلة، فمن نوى ليلة الشك صيام غد إن كان من رمضان، لم يجزئه، لأنها غير جازمة، نعم، لا يضر التردد بعد حصول الظن بشهادة أو استصحاب كما في آخر رمضان أو اجتهاد في حق الأسير وشبهه.
ثم إن غلط الأسير بالتأخير لم يلزمه القضاء، وإن غلط بالتقديم لزمه القضاء إن كان شهرا واحد. وكذلك إن استمر ذلك شهورا في سنين متوالية، فإنه يقضي الجميع على المشهور.
وقال ابن الماجشون: يقضي الأخير فقط.

.الركن الثاني: الإمساك عن المفطرات.

وهي: الجماع، والاستمناء، والاستقاء على خلاف فيه خاصة، ودخول الداخل، وضبط الدخول، كل عين يمكن الاحتراز منه غلابا، وصل من الظاهر إلى المعدة والحلق من منفذ واسع كالفم والأنف والأذن، وفي إلحاق الحقنة بالمائعات بذلك خلاف. وكذلك في إلحاق غير المغذي من ذلك به، أو القصر عليه، فيفطر بالحقنة بالمائع على قول، وبالسعوط أيضا إذا وصل إلى حلقه، وقال أشهب: رأى عليه القضاء؛ إذ لا يكاد يسلم، قال: وأما المحتقن فلا شك فيه، وليقضيا في الواجب والتطوع.
ولا يفطر بالكحل إذا لم يكن يتحلل منه شيء، وإن أن مما يتحلل منه شيء إلى الحلق أفطر به، وقال أبو مصعب: لا يفطر به. وكره ابن القاسم الكحل من غير تفصيل.
ولا يفطر بما يقطر في الإحليل، ولا بالفصد أو الحجامة. ولا بتشرب الدماغ الدهن بالمسام، إلا أن يجد طعم ذلك في حلقه، قاله في السليمانية. ولا بالحقنة بما لا ينماع، ولا بوصول ما تعالج به الجائفة إلى الجوف؛ لأنه لا يصل إلى مدخل الطعام؛ إذ لو وصل إليه لمات.
أما تعذر الاحتراز غالبا، فنعني به إذا طارت ذبابة إلى جوفه، أو وصل غبار الطريق إلى بأنه.
وأما غبار الدقيق فقال أشهب في مدونته: عليه القضاء، وقال القاضي أبو محمد: لا شيء عليه. واختلف أيضا في غبار الجباسين، وأولى بعدم الإفطار.
ولا يفطر من سبق إلى جوفه فلقة حبة بين أسنانه، وقال أشهب: أحب إلي أن يقضي، قاله عنه ابن عبد الحكم. وأما ذلك فليقض، قال الشيخ أبو محمد: يريد أن أمكنه طرحها. وأما لو أوجز بغير اختيار، فإنه يفطر.
ولو استقاء عامدا أفطر، ووجب عليه القضاء، ورأي الشيخ أبو القاسم: أنه مستحب.
ولو ذرعه القيء لم يفطر إلا أن يرد شيئا من ذلك إلى جوفه بعد إمكان طرحه. وروى ابن أبي أويس أن عليه القضاء، وإن لم يزدرده. ويفطر بابتلاع الحصاة والنواة عامدا، وقال بعض المتأخرين: لا يفطر.
ولو ابتلع دما خرج من سنه أو سنا أفطر إن كان قادرا على طرح ذلك. وقيل: لا يفطر.
ولو كان مغلوبا لم يفطر. وإن سبق الماء في المضمضة إلى باطنه أفطر وإن لم يبالغ.
والجماع واستدعاء المني بالاستمناء أو باستدامة الفكر، أو النظر بمجردهما من غير استدامة سبب لوجوب القضاء والكفارة، ولو لم يخرج بهما إلا المذي كان سببا للقضاء إن كان استدامهما.
ويختلف في جوبه أو استحبابه، فإن لم يستدمهما فلا شيء عليه، وكذلك ما دون الإمذاء من الفكر والنظر والقبلة، وإن كره الإقدام على تعمد ذلك.
والغالط الذي يظن غروب الشمس أو عدم طلوع الفجر،يفطر، يلزمه القضاء.
ويرحم الأكل عند الشك في غروب الشمس أو في طلوع الفجر، وقيل: يكره عند الشك في الطلوع.
وقال ابن حبيب: يباح له الأكل عند الشك في الطلوع، ثم إن تبين أنه أفطر بد الطلوع أو قبل الغروب وجب القضاء على كل حال، وإن لم يتبين له الأمر بعد الأكل جرى وجوب القضاء واستحبابه على الخلاف المتقدم.
ولو طلع الفجر وهو يجامع، فعليه القضاء إن استدام، فإن نزع ففي إثبات القضاء ونفيه خلاف بين ابن الماجشون وابن القاسم، سببه أن النزع هل يعد جماعا أم لا؟

.القول في شرائط صحة الصوم:

وهن أربع: ثلاث في الصائم وهي: الإسلام، والنقاء عن دم الحيض، والعقل.
فعدم الإسلام وعدم النقاء يمنعان الصحة، وكذلك زوال العقل بالجنون، أما استتاره بالنوم فلا يمنع الصحة.
وكذلك انغماره بالإغماء إن طرأ بعد الفجر، ودام أيسر النهار. ويمنع إن كان قبل الفجر وتمادى إلى غروب الشمس، وفي منعه إذا برأ قبل الفجر وزال بعده بيسيره أو بعد الفجر ودام نصف النهار أو أكثره خلاف.
الشرط الرابع: الوقت القابل للصوم، وهو جميع الأيام، ويستثني من ذلك يوما العيدين باتفاق. وفي أيام التشريق خلاف وتفصيل، فإن نذر صومها لم يصم اليومين الأولين، وقيل: يصومهما، وصام اليوم الثالث. وقيل: لا يصومه، ويصوم جميعها المتمتع. وقيل: هو كغيره.
وصوم يوم الشك جائز إن وافق وردا أو قضاء أو نذرا. وكذلك لو لم يكن له سبب على المشهور، وقال محمد بن مسلمة بكراهية صومه ابتداء من غير سب. ونصوص المذهب على النهي عن صيامه حوطة. ويوم الشك هو يوم ثلاثين من شعبان إذا كانت السماء متغيمة.
القول في السنن: وهي تعجيل الفطر بعد اعتقاد الغروب، فول أراد الوصال، فحكى أبو الحسن اللخمي قولين في جواز ذلك ونفيه، ثم اختار جوازه إلى السحر، وكراهيته إلى الليلة القابلة.
وتأخير السحور مستحب، وكذلك كف اللسان عن الهذيان، وترك السواك بالرطب، وترك المبالغة في المضمضة والاستنشاق.

.القسم الثاني من الكتاب: في مبيحات الإفطار وموجباته:

أما:

.المبيح:

فهو المرض والسفر الطويل، وهو سفر القصر. وطارئ المرض في أثناء النهار مبيح، وطارئ السفر لا يبيح، فإن أفطر بعد شروعه في السفر، وقد كان بيت في الحضر، فإن كان متأولا فظاهر المذهب أن لا كفارة عليهن وإن لم يتأول، ففي وجوبها وسقوطها قولان.
وإن أفطر قبل الشروع في السفر، فقال أشهب في كتاب ابن سحنون: لا كفارة عليه، سافر أو لم يسافر.
وقال سحنون: يكفر سافر أو لم يسافر، ثم رجع فقال: إن سافر لم يكفر، وإن لم يسافر كفر.
وقال ابن الماجشون وابن القاسم في كتاب ابن حبيب: إن أفطر قبل أن يأخذ في أهبة السفر كفر، وإن أفطر بعد أن أخذ في أهبة السفر متأولا ثم سافر لم يكفر. قال ابن الماجشون: وإن عرض له ما حبسه عن السفر كفر. وإذا زال المرض والسفر وهو غير مفطر لم يبح الإفطار.
والمسافر إذا أصبح على نية، فليس له أن يفطر، إلا أن يطرأ عليه عذر يقتضي الفطر، ومنه التقوى للقاء العدو؛ كما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقال مطرف: له أن يفطر من غير طروء عذر.
وإذا فرعنا على منع الفطر فأفطر، ففي وجوب الكفارة وسقوطها ثلاثة أقوال: الوجوب للمغيرة وبن كنانة. والسقوط رواية. والتفرقة لابن الماجشون، فيوجبها في الجماع دون الأكل والشرب.
والصوم في السفر أحب من الفطر لتبرئة الذمة.
وقال عبد الملك بن الماجشون: الفطر أفضل، وري أنهما سيان.
وأما:

.موجبات الإفطار:

فخمسة:
الأول: القضاء، وهو يتنوع إلى قضاء رمضان، وإلى قضاء غيره، وقضاء غير رمضان يذكر عند ذكره.
فأما قضاء رمضان فواجب على كل مفسد للصوم أو تارك له بسفر أو مرض أو إغماء أو حيض أو سهو، وكذلك الحيوان. وقيل: مما لم تكثر السنون. وقيل: ما لم يبلغ مجنونا.
ولا يجب على من ترك بصبا أو كفر، ولا على المفند الذي لا يستطيع صومه إلا بخوف التلف، ولا يجب التتابع في قضاء رمضان، ولكن يستحب.
الثاني: الإمساك تشبها بالصائمين، وهو واجب على كل متعد بالإفطار في شهر رمضان، أو ظان للإباحة مع عدمها. وغير واجب على من أبيح له الفطر إباحة حقيقية كالمريض يصح، والمسافر يقدم، والحائض تطهر في بقية النهار.
ومن أصبح يوم الشك مفطرا، ثم تبين أنه في رمضان، أمسك.
أما الصبا والجنون والكفر، فإذا زال شيء منها لم يجب الإمساك. وقيل: يجب في الكفر خاصة.
ومن نوى التطوع في رمضان لم ينعقد، وإن كان مسافرا لتعين الوقت. وحكى القاضي أبو بكر فيه رواية بالانعقاد، واستضعفها كثيرا.
فأما لو صامه قضاء عن رمضان آخر عليه، فقال ابن القاسم في العتبية وأشهب في مدونته: لا يجزيه عن واحد منها. وفي الكتاب: أرى أن يجزيه، وعليه قضاء رمضان الآخر، روي بكسر الخاء وفتحها، فحصل من ذلك قولان آخران عن ابن القاسم.
الثالث: الكفارة، ولا تجب إلا في رمضان دون غيره من أنواع الصوم، وتجب بالخروج عن صومه على وجه الهتك من كل معتقد لوجوبه من رجل أو امرأة، لكل يوم كفارة لا يسقطها عن ويم وجوبها في آخر، من غير اعتبار بالأنواع التي يخرج عن الصوم بها من جماع أو أكل أو شرب أو غر ذلك، ولا بالوجهة الذي يخرج عن الصوم من اعتماد تركه أو بعد عقده بقطع نية أو إمساك، ولا بطروء عذر بعد ذلك أو عدمه، كمعتمد الفطر يمرض، أو يسافر، أو يجن، أو تحيض المرأة على المشهور نظرا إلى الحال شيء وقيل: بإسقاط الكفارة عند طروء العذر نظرا إلى المآل.
وكذلك الخلاف في القائل: اليوم نوبتي في الحمى، فيفطر ثم تأتيه. وفي القائلة: اليوم أحيض. فأفطرت ثم حاضت، وأولى بالإسقاط ها هنا وفي المستقيء خلاف. وكذلك مبتلع ما لا يغطي قصدا.
ولا تجب على الناسي، لأنه لم ينتهك، وقيل: تجب عليه في الجماع خاصة، والمكره كالناسي.
وتجب بالزنى وبجماع الأمة، ووطء البهيمة، والإتيان في غير المأتي. ولا تجب على من ظن أن الصبح غير طلاه، فجامع. وتجب على المنفرد برؤية الهلال.
وقال أشهب: إن تأولا فلا تجب عليه، وعلى من جامع مرارا في أيام، لكل يوم كفارة كما تقدم.
ولا تتكرر بتكرر الانتهاك في اليوم الواحد، وقيل: تتكرر إن كان الانتهاك الثاني عبد التفكير.
ولو أكره امرأة لم يجب عليها أن تكفر بحال، ووجبت عليه كفارتان عنه وعنهما في المشهور. وقيل: لا كفارة عليه عنها.
ثم اختلف الأصحاب، هل هذه الكفارة متنوعة أم تختص بالإطعام خاصة؟ وسبب اختلافهم احتمال لفظ الكتاب، وصيغته: قلت: وكيف الكفارة في قول مالك؟ قال: الطعام لا يعرف غير الطعام، لا يأخذ مالك بالعتق ولا بالصيام هذا نص لفظه.
فمن نوع حمله على الأولى، ويجزي غيره. ومن خصص حمل اللفظ على ظاهره، والصحيح التنويع، ورد ظاهر هذه الرواية إلى مذهبه في الموطأ، وإلى ما رواه ابن الماجشون عنه، وهو أن الإطعام أفضل.
وإذا فرعنا على التنويع، فأنواعها ثلاثة: عتق وصيام وطعام، وهي على التخيير ككفارة الأيمان. وقيل على الترتيب ككفارة الظاهر.
النوع الأول: العتق، فيعتق رقبة كاملة غير ملفقة، مؤمنة، سليمة، محرر، وتحريرها أن يبتدئ إعتاقها من غري أن يكون مستحقا بوجه.
النوع الثاني: الصيام، وهو صوم شهرين متتابعين.
النوع الثالث: الإطعام، هو إطعام ستين مسكينا، مدا، لكل مسكين، بمد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال أشهب: مدل لكل مسكين أو غداء وعشاء، والإطعام أحب إلينا من الغداء والعشاء.
وإذا فرعنا على المشهور، فالإطعام يعمها. وقيل: تتنوع: فتكون إطعاما إن كانت بغير جماع، وعتقا أو صياما إن كانت عن جماع.
ثم إذا قلنا بالتسوية مع اختلاف الموجب، فالإطعام أفضل لأنه الأمر المعمول به في الحديث، ولأنه أعم نفعا؛ إذ الصيام لا يتعدى نفعه المكفر، والإعتاق وإن تعدى نفعه المكفر، فلا يتجاوز المعتق، ويتعدى نفع الطعام إلى ستين مسكينا، فيحيا به مثل هذا العدد، لا سيما في أوقات الشدائد والمجاعات. وقيل: العتق أفضل.
وقال المتأخرون: يختلف ذلك بالأوقات والبلاد، فالأول في ارتفاع الأسعار، والثاني في انخفاضها.
وتستقر الكفارة في الذمة عند العجز عن جميع الخصال وقت الإفساد، ثم المعتبر حالة التكفير على القول بالترتيب.
الموجب الرابع: قطع التتابع والنية.
أما قطع التتابع، فهو أن يفطر بغير عذر، أو بعذر يمكنه دفعه، كالسفر، فأما ما لا يمكنه دفعه من سهو أو مرض، أو خطأ عدة أو حيض، فيجزي البناء معه.
وأما قطع النية، فهو إفساد الصوم أو تركه على الإطلاق لعذر أو غير عذر، أو بحصول الوجه الذي يسقط معه الانحتام، وإن آثر الصوم معه كالسفر والمرض، ولا يقطع استدامتها، وإنما يقطع استصحاب ابتدائها.
الخامس: الفدية، وهي مد من طعام لمسكين عن كل يوم، وتجب ثلاثة أمور:
أحدها: ما يجب لفضيلة الوقت وهو في حق الحامل والمرضع.
فأما الحامل إذا خافت على ولدها، فروى ابن وهب: أنها تفطر وتطعم.
وقال أشهب: تطعم استحبابا من غير إيجاب.
وقال في الكتاب: تفطر وتقضي، ولا إطعام عليها لأنها مريضة.
وقال ابن الماجشون: إن خافت على حملها وجبت عليها، وإن خافت على نفسها لم تجب عليها.
وقال أبو مصعب: إذا خافت على ولدها قبل مضي ستة أشهر أطعمت، وإن دخلت في الشهر السابع لم تعم لأنها مريضة.
وأما المرضع إن احتاجت إلى الفطر لولدها إذ لم يقبل غيرها، أو لم يقدر على الاستئجار له، فقال في الكتاب: تطعم.
وقال في المختصر: لا إطعام عليها.
ومنشأ الخلاف: أنها مطيقة في نفسها، وغير مطيقة لضرورة الولد.
الثاني: كل من لا مرض به، ويعلم أنه لا يمكنه إكمال صوم اليوم، كالمتعطش والشيخ الكبير، فيطعم استحبابا. وقيل بوجوب الإطعام عليه.
وقال أبو الحسن اللخمي: الصواب سقوط الإطعام عنه.
الثالث: ما يجب لتأخير القضاء، فلكل يوم أخر قضاؤه عن السنة الأولى مع الإمكان مد، ولا يتكرر بتكرر السنين، ويخرجها عند الأخذ في القضاء، وقال أشهب: عند تعذر القضاء واستقرارها في الذمة، لأنه سبب الوجوب، فكلما مضى يوم من شعبان قد تعين للقضاء أطعم عن يوم، لأنه صار مفرطا.
وأما صوم التطوع، فيلزم إتمام ما شرع فيه منه، وكذا القضاء، ولو لم يكن على الفور، فإن أفطر في التطوع متعمدا من غير عذر، فعليه القضاء، وإن أفطر في القضاء متعمدا، فهل يجب عليه قضاء الأصل فقط، أو قضاؤه وقضاء القضاء؟ قولان.
ولو أفطر في التطوع لمرض أو حض أو غيره من الأعذار المبيحة للفطر، لم تجب عليه قضاء. ولو أفطر ناسيا أتم، ولا شيء عليه.
فأما إن سافر فيه، فأفطر من غير ضرورة، فقال في الكتاب: عليه القضاء.
وقال ابن حبيب: لا قضاء عليه.
وأما الفطر في المنذور، فإن كان عمدا عصا ووجب عليه القضاء، وإن كان نسيانا أو لعذر، فإن كان النذر غير معين وجب القضاء، وغن كان معينا فقيل: يجب. وقيل: لا يجب، وقيل: يجب في النسيان، ولا يجب في الحيض والمرض. وقيل: يجب إن كان المقصود صوم يوم، ولا يجب إن كان المقصود هو اليوم لمعنى فيه.
وعلى ذلك يخرج الخلاف في مسألة ناذر الصوم يوم يقدم فلان، فيقدم نهارا، مذهب الكتاب سقوط القضاء.
وقال أشهب: يلزمه القضاء.
ولنختتم الكتاب بذكر:

.صوم التطوع المرغب فيه:

وهو في السنة صوم يوم عرفة لغير الحاج وعاشوراء وتاسوعاء ويوم التروية، ففي الحديث «إن صيام يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية، وصيام يوم عاشوراء يكفر السنة الماضية». وروى أيضا أن صيام يوم التروية كصيام سنة.
ومن المرغب فيه صوم الأشهر الحرم وشعبان وعشر ذي الحجة، فقد روى أن صيام كل يوم منها يعدل صيام سنة.
وورد في الصحيح: صيام ستة أيام من شوال، إلا أن مالكا أتقى أن يلحق الجاهل بالفرائض ما ليس منها على أصله في كراهية التحديد، واستحب صيامها في غل ذلك الوقت لحصول المقصود به من تضاعف أيامها وأيام رمضان حتى تبلغ عدة العام؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بشهرين، فذلك صيام سنة».
ومحمل تعيين محلها في شوال عقيب الصوم على التخفيف في حق المكلف لاعتياده الصيام، ولا لتخصيص حكمها بذلك الوقت فلا جرم لو فعلها في عشر ذي الحجة مع ما روي من فضل الصيام فيه لكان أحسن لحصول المقصود مع حيازة فضل الأيام المذكورة.
والسلامة مما أتقاه مالك رضي الله عنه.
وقال مطرف: إنما كره مالك صيامها لئلا يلحق أهل الجهل ذلك برمضان، وأما من رغب في ذلك لما جاء فيه، فلم ينهه.
وأما في الشهر، فقال ابن حبيب: روي أن صيام الأيام البيض صيام الدهر، قال: وكذلك صيام ثلاثة أيام من كل شهر: أول يوم منه هن ويم عشرة ويوم عشرين. قال: وبلغني أن هذا صوم مالك بن أنس. واختار الشيخ أبو الحسن المبادرة بالثلاثة أول الشهر، وعلل بأنه لا يدري ما يقطعه عن ذلك.
فأما صوم الدهر، فقال الشيخ أبو الطاهر: هو مستحب، وكرهه أبو القاضي أبو بكر.
ونص مالك رضي الله عنه على كراهية توقيت منذور من صيام أو غيره. قال: ولكن يفعل متى أحب.
تم كتاب الصيام والحمد لله.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد.

.كتاب الاعتكاف:

.وحقيقته:

في اللغة:
اللبث في المكان.
وفي الشريعة:
اللبث في المسجد للعبادة.
وهو قربة، ومن نوافل الخير، لا سيما في العشر الأواخر من شهر رمضان لطلب ليلة القدر.
وقد اختلف في قوله صلى الله عليه وسلم: «التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة» هل المقصود ظاهر هذا اللفظ؟ أو يكون المقصود ليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، وليلة خمس وعشرين؟ فيكون معنى اللفظ: لتسع بقين، ولسبع بقين، ولخمس بقين. وهذا هو قول مالك في الكتاب من رواية ابن وهب.
ثم النظر في ثلاثة فصول:

.(الفصل) الأول: في أركانه:

وهي أربعة:

.(الركن) الأول: استمرار الإقامة على عمل مخصوص:

وهو ما خصه من العبادة كالصلاة، وقراءة القرآن، وذكر الله تبارك وتعالى. وقيل: جميع أعمال البر المختصة بالآخرة، القاصرة، والمتعدية في ذلك سواء، ومع الكف عن الجماع ومقدماته. ويجوز له أن يأمر ببعض شؤونه، وما فيه مصلحة معاشه، ولا بأس أن يعقد النكاح وأن يتطيب.

.الركن الثاني: المعتكف:

وهو كل مسلم عاقل، فيصح اعتكاف الصبي والرقيق، والردة والسكر المكتسب مانعان من الصحة، قارنا الابتداء أو طرآ، ويجب استئنافه بطروء أحدهما.
وأما زوال العقل من غير اكتساب، كالجنون والإغماء، فيوجبان البناء دون الاستئناف، ولو صدر منه يوجب الكفارة في الصيام أفسد الاعتكاف.
فأما لو صدرت منه كبيرة، فإنها تبطل الاعتكاف عند العراقيين، وإن لم تبطل الصوم، كالقذف وشرب الخمر ليلا، ولا يبطل الاعتكاف بذلك عند المغاربة، ثم حيث بطل وجب قضاؤه.
وكذلك إن انقطع اتصاله بما لا يسقط معه قضاء الصوم، فإن كان بحيث يسقط فيه قضاء الصوم، فلا يجب قضاء الاعتكاف. ويختلف في وجوب قضائه حيث يختلف في وجوب قضاء الصوم.

.الركن الثالث: الصوم.

ولا يصح الاعتكاف دونه، ولا يشترط كونه له. فلا يصح اعتكاف بعض يوم، ولو طرأ عليه ما يمنع الصوم فقط، ففي وجوب المقام في المسجد مع تعذر الصوم خلاف، وذلك كالمريض القادر على الملازمة دون الصوم، أو يصح في بعض النوم، أو تظهر الحائض في أضعاف النهار وتغتسل.
وكذلك المعتكف أواخر شهر رمضان أياما يتخللها العيد. وإذا قلنا في هذا باللزوم، فالخلاف أيضا في خروجه إلى العيد، وهو على مراعاة الخلاف في أنه لا يلزمه اللزوم.

.الركن الرابع: المعتكف:

وهو المسجد، ويعتكف في عجزه ورحابه. ويكره للمؤذن المعتكف أن يرقى على ظهر المسجد. واختلف قوله في صعوده المنار، فمرة قال: لا، ومرة قال: نعم، وجل قوله فيه: الكراهة، وهو رأي ابن القاسم.
ويستوي في ذلك جميع المساجد، إلا إذا نوى مدة يتعين عليه إتيان الجمعة في أثنائها، فيتعين الجامع، وقيل بل يكره الاعتكاف حينئذ في غيره فقط.
ومنشأ الخلاف: هل يبطل الاعتكاف بخروجه إلى الجمعة، وهو المشهور، أم لا؟
فإن فرعنا على عدم الإبطال، فإنه يتم اعتكافه في الجامع وقيل: يعود إلى مسجده، فيتم فيه، ولا يصلح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها.

.الفصل الثاني: في حكم النذر:

والنظر في ثلاثة أمور:
الأول: التتابع، فإذا قال الله علي أن أعتكف شهرا لزمه التتابع وإن لم يشترطه.
ولو قال: أعتكف هذا الشهر فسد أوله بتعمد فساد آخره، واستأنفه متتابعا في القضاء والشروع، كالنذر.
الثاني: في استتباع الليالي، فإذا نذر اعتكاف شهر دخلت الليالي، ويكفيه شهر بالأهلة، وكذلك لو نذر اعتكاف يوم أو أيام دخلت ليلته ولياليها.
ولا يفترق الليل والنهار في شيء من أحكام الاعتكاف سوى الصوم.
الثالث: في قاطع التتابع، وهو انقطاع بعض شروط الاعتكاف، ومن ذلك الخروج عن المسجد لغير عذر، وأما العذر فعلى مراتب:
الأولى: الخروج لقضاء الحاجة، وهو غير ضار، ولا يجب قضاء تلك الأوقات، ولا تجديد النية عند العود. ولا فرق بين قرب المكان وبعده، إذا لم يجد أقرب منه، وبين أن يكثر الخروج لقضاء الحاجة أو يقل، ولا يشتغل بعيادة مريض في الطريق، ولا بصلة الجنازة، فإن جامع عامدا في وقت قضاء الحاجة أبطل اعتكافه، واستأنفه.
الرتبة الثانية: الخروج للمرض والحيض والنسيان.
وليس بقاطع للتابع أيضا.
الرتبة الثالثة: خروجه مضطرا لما تعين عليه من حق الله تعالى، كجهاد، أو حق آدمي كحبس في دين، وفي بطلان اعتكافه بذلك لأنه قاطع لاتصاله كقطع الصلاة بفعل يضادها، وعدم بطلانه لأنه ضروري، كالمرض والحيض، قولان.
وهذا ما لم يقصد بالاعتكاف الهرب من حق وجب عليه فيلزمه الخروج، ويبطل اعتكافه قولا واحدا، وفي بطلانه بالخروج مكرها خلاف.
ولو اشترط الخروج لغير ما ذكر جواز خروجه له، لم ينفعه اشتراطه، وكان وجوده كعدمه.

.الفصل الثالث: في حكم الاعتكاف:

عند الدخول فيه والخروج منه، وحالة طروء العذر القاطع.
فأما:

.الدخول فيه:

فإن حصل قبل غروب الشمس من ليلة اليوم الذي قصد اعتكافه أجزأه بلا خلاف، وإن حصل بعد طلوع فجره لم يجزئه.
فإن دخل بين غروب الشمس وطلوع الفجر، ففي الصحة والبطلان خلاف؛ منشئه طلب استكمال النهار، وقد حصل، وهو قول القاضي أبي محمد. واستواء الليل والنهار في أحكام الاعتكاف سوى الصوم، ولم يحصل؛ إذ لا يصح استيفاء جميع أجزاء الليل إلا دخل قبل الغروب، وهذا قول ابن الماجشون، وهو ظاهر قول مالك.
وأما:

.الخروج منه:

فلا شك أنه إذا خرج بعد غروب الشمس من آخر يوم من أيام اعتكافه، كان ذلك جائزا وصح اعتكافه، إلا إذا كان الاعتكاف للعشر الأواخر من شهر رمضان، فإنه يؤمر ببقائه في معتكفه إلى حيث يخرج منه إلى العيد. وروى سحنون عن ابن القاسم: أنه يخرج من معتكفه ليلة الفطر، وعمدة الفرق فعل الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثم إذا فرعنا على البقاء، فهل ذلك واجب، أو مندوب إليه؟ قال القاضي أبو محمد: هو مندوب إليه.
وقال ابن الماجشون وسحنون: هو على الوجوب.
وثمرة هذا الاختلاف: فساد الاعتكاف بالخروج إذا قلنا بوجوب البقاء، وعدم الفساد إذا قلنا باستحبابه. ولذلك قال سحنون: إن خرج ليلة الفطر بطل اعتكافه.
وأما:

.حالة طروء العذر:

فحكمه البقاء على ما يقدر عليه من أفعال الاعتكاف، ولا يسقط عنه إلا ما عجز عنه، فالحائض تفعل ما لا يمنعها الحيض منه، كملازمة الذكر، وتجنب الاستمتاع والاشتغال بما يمنع المعتكف منه، ويسقط عنها الصوم، وملازمة المسجد.
وكذلك المريض إذا عجز عن الصوم أو تعذر عليه دخول المسجد لمرضه، أو اجتمعا له.
فرع:
قال سحنون: اعتكف في رمضان فمرض، ثم خرج رمضان ثم أفاق، فعليه إذا أفاق قضاء الصيام، وليعتكف فيه.
وأما لو كان في غير رمضان فلا قضاء عليه لما مرض فيه.
وقال ابن عبدوس: إن مرض قبل أن يدخل فيه في غير رمضان، فلا يلزمه شيء مما مرض فيه. قال الشيخ أبو محمد: يريد وهي أيام بأعيانها نذرها، قال: وأما إن مرض بعد أن دخل فيه، فليقض ما مرض فيه لبقاء حرمة العكوف عيه.
تم كتاب الاعتكاف والحمد على ذلك.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد.

.كتاب الحج:

وهو ركن من أركان الإسلام، واجب على من استطاعه من أحرار المكلفين.
ولا يجب في العمر إلا مرة واحدة، وفي كونها على الفور، أو مسترسلة على الزمان إلى خوف الفوت، خلاف.
فالذي يحكيه العراقيون عن المذهب أنها على الفور. قال أبو القاسم بن محرز وغيره من المتأخرين: ومسائل المذهب تدل على خلاف ذلك. قال الشيخ أبو الطاهر: وإشارتهم إلى ما وقع في المذهب من التراخي به لرضى الآباء، قال: وهذا لا يدل على ثبوت التراخي، لأن رضى الآباء واجب، فمراعاته كتعارض واجبين.
ثم النظر في المقدمات والمقاصد واللواحق.

.القسم الأول: في المقدمات:

وهي الشرائط والمواقيت.

.القول في الشرائط:

ولا يشترط الحج إلا الإسلام؛ إذ يصح للولي أن يحرم عن الصبي. وكذلك المجنون يحرم عنه أبوه، ويحج به.
ولا يشترط لصحة المباشرة إلا الإسلام والتمييز، فإن المميز لو حج بإذن الولي جاز، وكذلك العبد. ولا يشترط لوقوعه عن حجة الإسلام إلا الإسلام، والحرية، والتكليف.
ويشترط لوجوب حج الإسلام ما عاد الإسلام من هذه الشرائط، مع الاستطاعة، ثم هي معتبرة بحال المستطيع في صحة بدنه، وفي ماله وعادته، ومحالة على القدرة والإمكان من غير تحديد.
وذلك يختلف باختلاف الأشخاص، ومسافة الطريق، ووجود الجلد وعدمه.
وقال ابن حبيب: الاستطاعة: الزاد والراحلة. وذكر ابن عبدوس مثله عن سحنون. وتؤول على من بعدت داره. فعلى المشهور: من حلاه القدرة على المشي يلزمه الحج، وإن لم يجد الراحلة.
وكذلك الأعمى إذا وجد قائدا، وكان جلدا على المشي، أو كان عنده ما يركب.
ويجب على من لا يجد طريقا إلا في البحر، إلا أن يكون غالبه العطب، أو يكون هو يعلم من حال نفسه أنه يميد حتى يعطل الصلوات. ولو كان لا يجد موضعا لسجوده، لكثرة الراكب وضيق الموضع، فقد قال مالك إذا لم يستطع الركوع أو السجود إلا على ظهر أخيه، فلا يركبه، ثم قال: أيركب حيث لا يصلى!؟ ويل من ترك الصلاة.
والمرأة كالرجل إلا في استصحاب الولي، ويختلف في إلزامها الحج مع عدمه إذا وحدت رفقة مأمونين، ومع الحاجة إلى البحر أو المشي.
ويسقط الحج إذا كان في الطريق عدو يطلب الأنفس أو الأموال، أو يطلب من الأموال ما لا يتحدد بحد مخصوص، أو يتحدد بقدر يجحف، وفي سقوطه بغير المجحف خلاف.
ويجب على المتسول إذا كانت تلك عادته، وغلب على ظنه أنه يجد من يعطيه، وقيل: لا يجب.
ولو لم يكن عنده من الناض ما يحج به، وعنده عروض، فيلزمه أن يبيع من عروضه للحج ما يباع عليه في الدين.
وسئل ابن القاسم عن الرجل تكون له القرية ليس له غيرها، أيبيعها في حجة الإسلام ويترك ولده لا شيء لهم يعيشون به؟ قال: نعم، ذلك عليه، ويترك ولده في الصدقة.
ويكره له أن ينتقل بالحج قبل أداء رضه، فإن فعل لمخ ينقلب إلى الفرض، بل يقع كما نواه.
هذا حكم المباشرة، فإن عجز عنها، لم تلزمه الاستنابة، ولا تجوز إن اختارها؛ إذ لا تصح النيابة، وهي وقوع الحج عن المحجوج عنه. وروي إجازة ذلك.
وقال ابن واهب وأبو مصعب: تجوز في حق الولد خاصة.
وقال ابن حبيب: جاءت الرخصة في الحج عن الكبير الذي لا منهض له ولم يحج وعمن مات ولم يحج، أن يحج عنه ولده وإن لم يوص به، ويجزيه إن شاء الله.
وقال أشهب في كتاب محمد: إن حج عن الشيخ الكبير أجزأه.
وإذا أوصى الميت بالحج عنه، وكان صرورة، نفذت وصيته. وقيل: لا تنفذ، فإن لم يوص، لم يحج عنه، وقيل: يحج عنه إن كان صرورة، ثم حيث صححنا النيابة، فهي تقع بأجر وبغير أجر، فإن وقعت بأجر، فهي على قسمين:
قسم هو إجازة بعوض يكون ثمنا للمنافع، كالإجارات كلها، فيكون العوض ملكا للمستأجر، فإن عجز عن كفايته لزمه إتمامه من ماله، وما فضل عنها، كان له.
والقسم الآخر يسميه أصحابنا البلاغ، وهو: أن يدفع إليه مال ليحج به، فهذا لا يجوز له صرفه في غير الحج، وإن احتاج إلى زيادة رجع بها، وإن فضل شيء رده، وله أن ينفق ما لا بد له منه مما يصلحه، من الكعك والزيت وأكل اللحم مرة بعد مرة، وشبه ذلك، والوطاء واللحاق والثياب، فإذا رجع رد ما فضل من ذلك كله، ورد الثياب. قال محمد: وإنا لنكره ذلك، وهذا والإجارة في الكراهة سواء، وأحب غلينا أن يؤاجر نفسه بشيء مسمى.
والإجارة على الوجهين جميعا مكروهة على المشهور، لأنها من باب طلب الدنيا بعمل الآخرة، إلا أنها إن وقعت على أحد الوجهين لزمت من الجانبين للخلاف فيها.
وحكم الأجير إن ينوي الحج لمن حج عنه، فإن نوى لنفسه انفسخت الإجارة، إلا أن يكون استؤجر على عام لا بعينه.
ولو اشترط عليه الإفراد بوصية الميت، فقرن أو تمتع، لم يجزئه.
ولو شرط عليه بغير وصية فخالف، ففي الأجزاء خلاف، فإن لم يشترط، فإن قلنا ثم بالإجزاء فها هنا أولى، وإن قلنا بعدمه، ففي ثبوت الإجزاء ها هنا ونفيه ثلاثة أقوال، يفرق في الثالث بين أن يقصد بالعمرة فتجزئه، وبين أن يقصد بها نفسه فلا يجزئه.
ثم إن تمتع أعاد الحج ثانيا، وإن قرن فسخت الإجارة، لأنه خان، ولا تؤمن عودته.
وهل يتعين للعقد أول سنة، أو يفتقر إلى تعيين الزمان الذي يحج فيه؟ للمتأخرين في ذلك قولان.
وإذا فرعنا على الافتقار، بطل العقد عند عدم التعيين. وكذلك اختلفوا أيضا في وجوب الفعل على الأجير على نفسه، أو تعلقه بذمته.
وكذلك المعين في الوصية، إلا أن يكون على حالة ترغب في عينه، وعليه يخرج الخلاف في امتناعه، هل يعوض بغيره، أو تبطل الوصية، ويجتزئ الورثة بما بذلوا قليلا كان أو كثيرا، إذا لم يسم الميت قدرا، ووجدوا من يحج بما بذلوه ممن حيث أوصى، لا من الميقات، ولا من مكة، إلا أن يظهر منه قصد إلى غر ذلك، فيصار إليه. فإن سمى قدرا معلوما ولم يجدوا من يحج بدونه، استأجروا به كله، فإن وجدوا بدونه من يحج ما نص عليه الميت من حجة أو حجج، كان الفاضل لهم؛ إلا أن يظهر من قدره غنه أراد إعطاء جملة ما عين من المال إلى رجل بعينه، فيعطاه.
فإن لم يسم ما يحج عنه، ووجد من يحج عنه حجة واحدة بدون ما عين، فهل يرد الباقي إلى الورقة، أو يحج به عند حجج؟ فيه خلاف.
ولا شك أن الآخذ على الإجارة يضمن ما ضاع منه، إذ على ملكه تلف.
فإن ضاع من الآخذ على البلاغ، رجع ما لم يحرم، فإن تمادى قبل الإحرام، فلا شيء له، وإن تمادى بعده، كانت نفقته في ذهابته وعودته على المستأجر، إن لم يكن للميت مال، فإن كان له مال، فهل يكون منه، أو من مال المستأجر؟ فيه خلاف.
ولو صد الأجير أو مات حتى افتقروا إلى استئجار غيره، واستأجروا من حيث انتهى.
ولو لم يوحد من يحج عنه بما أوصى به إلى استئجار غيره، استأجروا من حيث انتهى.
ولو لم يوحد من يحج عنه بما أوصى به أو بثلثه إلا من المواقيت أو من مكة، فهل يحج عنه بذلك من حيث وحد، أو يرجع ميراثا؟ ثلاثة أقوال: يفرق في الثالث بين أن يكون صرورة فيحج عنه، أو غير صرورة فيرجع ميراثا.
إذا صد الأجير فأراد أن يقيم على إحرامه إلى عام ثان، أو يتحلل وأراد البقاء على إجارته ليحج في العام الثاني، فللمتأخرين في المسألتين قولان. ثم إذا فسخت الإجارة، فله من الأجر بقدر ما بلغ.
هذا حكم الحج في الوجوب والاستطاعة والنيابة والإجارة، وتساويه العمرة في جميع ذلك، خلا الوجوب، فغنها سنة مؤكدة. ومذهب ابن حبيب وابن الجهم أنها واجبة.

.المقدمة الثانية: في المواقيت:

والميقات الزماني للحج: شوال وذو القعدة وذو الحجة روي جميعه، وروي العشر الأول منه، وروي إلى آخر أيام التشريف.
وفائدة الخلاف: تعلق الدم بتأخير طواف الإفاضة.
وأما العمرة: فجميع السنة وقت لها، ويصح الإحرام بها في كل وقت من غير كراهية إلا في أيام منى لمن حج، ويكره أيضا تكرارها في السنة الواحدة.
وقال مطرف: لا يكره.
ومراعاة هذا الميقات للأولى، وقيل: للأوجب، فلو أحرم قبل أشهر الحج انعقد إحرامه وصح، وقيل: لا ينعقد.
أما الميقات المكاني: فهو في حق المقيم مكة في الحج لا في العمرة ولا في القران، وقيل: يحرم في القران منها أيضا.
أما الآفاقي: فميقاته إن توجه من جانب المدينة: ذو الحليفة. ومن الشام ومصر: الجحفة، ومن اليمن: يلملم، ومن نجد: قرن، من العراق: ذات عرق.
وهذه المواقيت لأهلها ولمن مر بها إلا أن يمر بها من له ميقات دون ما مر به، كالشامي أو المصري يمر بذي الحليفة، فله تجاوزها إلى الجحفة، وإن كان الأفضل له أن يحرم من ذي الحليفة ميقات النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الذي مسكنه بين الميقات وبين مكة، فميقاته مسكنه، والاختيار لمريد الإحرام أن يحرم من أول الميقات، فإن أحرم من آخره فلا بأس. ومن حاذي ميقاتا فميقاته عند المحاذاة؛ إذ المقصود مقدار البعد عن مكة. وإن جاء من ناحية لم يحاذ ميقاتا ولا مر به تحرى محاذاتها وأحرم. والأفضل أن يحرم بالحج من ميقاته زمانه ومكانا، ويكره تقديمه عليه، ويلزم أن فعل ثم مهما جاوز ميقاته، فإن كان ضرورة فإن تجاوز الميقات وهو مريد للحج أو العمرة غر محرم فهو مسيء عليه وعليه الدم، ويسقط عنه بالعود إليه قبل أن يبعد عنه وهو حلال، فإن عاد بعد البعد والإحرام لم يسقط. وإن قصد دخول مكة حلالا، ثم بدا له أن يحرم فأحرم دونها، فعليه دم.
وقال محمد: لا هدي عليه، وإنما الهدي على من جاوز ميقاته، يريد الإحرام.
وإن تمادى غير محرم حتى دخل مكة، ففي وجوب الدم عليه بذلك خلاف، إلا أن يكون من مكثري التردد إليها، كالمترددين بالحطب والفاكهة، ومن في معناهم، لمشقته في التكرار.
ولو تجاوز الميقات، يريد الحج، ثم أحرم به، ففاته فتحلل بعمرة، ففي وجوب الدم ونفيه قولان لأشهب وابن القاسم.
وأما العمرة، فميقاتها كميقات الحج، إلا في حق المقيم بمكة، مكيا كان أو آفاقيا، فإن عليه الخروج إلى طرف الحل ولو بخطوة في ابتداء الإحرام.
فإن لم يفعل ذلك حتى طاف وسعى، لم يعتد بعمرته، لأنه لم يجمع بين الحل والحرم.
والحاج بوقوف عرفة جامع بينهما، والأفضل للمعتمر الإحرام من الجعرانة، أو التنعيم.

.القسم الثاني من الكتاب: في المقاصد:

وفيه ثلاثة أبواب:

.الباب الأول: في وجوه أداء النسكين:

وهي ثلاثة: